محمد صديق المنشاوي

9

قصة زوجين على وشك الموت

هناك زوجين ربط بينهما الحب والصداقة
فكل منهما لا يجد راحته إلا بقرب الآخر
إلا أنهما مختلفين تماماً في الطباع
فالرجل (هادئ ولا يغضب في أصعب الظروف)
وعلىالعكس زوجته (حادة وتغضب لأقل الأمور)
وذات يوم سافرا معاً في رحلة بحرية


أمضت السفينة عدة أيام في البحر وبعدها ثارت عاصفة كادت أن تودي بالسفينة، فالرياح مضادة والأمواج هائجة ..
امتلأت السفينة بالمياه وانتشر الذعر والخوف بين كل الركاب حتى قائد السفينة لم يخفي على الركاب أنهم في خطر وأن فرصة النجاة تحتاج إلى معجزة من الله،
لم تتمالك الزوجة أعصابها فأخذت تصرخ لا تعلم ماذا تصنع ..
ذهبت مسرعه نحو زوجها لعلها تجد حل للنجاة من هذا الموت وقد كان جميع الركاب في حالة من الهياج ولكنها فوجئت بالزوج كعادته جالساً هادئاً، فازدادت غضباً
و اتّهمتهُ بالبرود واللامبالاه
نظر إليها الزوج وبوجه عابس وعين غاضبة استل خنجره ووضعه على صدرها وقال لها بكل جدية وبصوت حاد:
ألا تخافين من الخنجر؟
نظرت إليه وقالت: لا
فقال لها: لماذا ؟
فقالت: لأنه ممسوك في يد من أثق به واحبه ؟
فابتسم وقال لها: هكذا أنا، كذلك هذه الأمواج الهائجة ممسوكة بيد من أثق به وأحبه فلماذا الخوف إن كان هو المسيطر على كل الأمور ؟
وقفـة !

فإذا أتعبتك أمواج الحياة ..
وعصفت بك الرياح وصار كل شيء ضدك ..
لا تخف !
فالله يحبك
وهو الذي لديه القدرة على كل ريح عاصفة ..
لا تخف !
هو يعرفك أكثر مما تعرف أنت نفسك
ويكشف مستقبلك الذي لا تعلم عنه شيء فهو أعلم السّر وأخفى ..
-إن كنت تحبه فثق به تماماً واترك أمورك له
فهو يحبك
‫الثقه بالله أزكي أمل ,والتوكل عليه أوفي عمل

التسليم ثمرة الثقة
ومن ثمرات الثقة التسليم لله جل وعلا، وهو نوعان:
- التسليم لحكم الله الديني الأمري، وهو تسليم المؤمنين، وفيه يقول تعالى: {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
- التسليم لحكم الله القدري، وهو مسألة الرضا بقضاء الله والتسليم له؛ وهو محمود إذا لم يكن العبد مأمورًا بمدافعة هذا القضاء ولم يقدر على ذلك.. كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها.
وتمام التسليم هو الخلاص من أي شبهة تعارض الخبر عن الله، أو أي شهوة تعارض أمر الله، أو أي إرادة تعارض الإخلاص لله تعالى.
زوجين الموت


نماذج خالدة

الثقة بالله تجدها في محمد صلى الله عليه وسلم ينطق بها كل حاله وجميع أفعاله، يشهد بذلك الغار إذ وقف الكفار على بابه، وهو يطمئن صاحبه فيقول: {لا تَحْزَنْ إنَّ اللَّهَ مَعَنَا}، ويشهد بها الكافر إذ وقف بالسيف على رأسه يسأله: من يمنعك مني؟ فيرد عليه واثقا مطمئن القلب: "الله".

الثقة بالله تجدها في إبراهيم عندما ألقي في النار.. فقال بعزة الواثق بالله: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فجاء الأمر الإلهي: {يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم}.

الثقة بالله تجدها في هاجر عندما ولى زوجها وقد تركها في واد غير ذي زرع. صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة قائلة؛ يا إبراهيم لمن تتركنا ؟! قالتها فقط لتسمع منه كلمة يطمئن بها قلبها فلما علمت أنه أمر إلهي قالت بعزة الواثق بالله "إذًا لا يضيعنا" ففجر لها ماء زمزم وخلد سعيها في العالمين.

الثقة بالله.. تجدها في أولئك القوم المجاهدين -البارحة واليوم وغدا– الذين: {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ}.. ولكن ثقتهم بالله أكبر من قوة أعدائهم وعدتهم؛ فكان حالهم: {فَزَادَهُمْ إيمَانًا}، وقالوا بعزة الواثق بالله: {حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ}؛ فكان جزاؤهم {فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}.

مسك الختام
الثقة بالله.. نعيم بالحياة.. طمأنينة في النفس.. قرة للعين.. أنشودة السعداء.. فيا أمة لا إله إلا الله، أين الثقة بالله؟!
فيا أيها المؤمن إذا أردت حلول الأنوار في قلبك، وتجلي الأسرار والمعارف عليه من ربك؛ ففرغه من صور الأغيار يملؤه بالمعارف والأسرار.
وعلينا أن نبقى مع الله وبالله ولله.. وأن نثق بأنه سبحانه وتعالى أرحم بنا من أمهاتنا.. ثم نمضي في ثقة رغم الرياح وأشواك الطريق {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.


شارك:
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

تلاوات خاشعة لمختلف القراء

أرشيف المدونة الإلكترونية

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة